هيئة التشريع والرأي القانوني - تاريخنا

التطور التاريخي لهيئة التشريع والرأي القانوني

المحطة الأولى: إنشاء الهيئة بدءاً من عام 1970:

(رغبة في إنشاء لجنة قانونية تقوم بإعداد القوانين والتشريعات التي تقترحها دوائر الدولة، ونظراً للحاجة إلى هذه اللجنة القانونية لاستشارتها في الأمور التي تتعلق بتطبيق القوانين والمراسيم والأنظمة) بتلك الكلمات عبر المشرع البحريني عن حاجته لوجود كياني قانوني متخصص لإعداد القوانين والتشريعات وإبداء الرأي القانوني، حيث وردت تلك الكلمات نصاً في ديباجة القرار رقم (5) لسنة 1970 بإنشاء اللجنة القانونية لمجلس الدولة الذي صدر عن رئيس مجلس الوزراء (رئيس مجلس الدولة آنذاك) صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رحمه الله بتاريخ 4 مارس 1970.

فبهذه المنطلقات والصلاحيات المبدئية أنشأ المشرع الشكل الأول للهيئة المختصة بمراجعة القوانين وبإبداء الرأي القانوني، فاللجنة القانونية المذكورة تعتبر الشكل القانوني الأول لهيئة التشريع والرأي القانوني.

وكانت للجنة أربع اختصاصات تمثلت في إعداد وصياغة مشروعات القوانين والأنظمة التي يقترحها مجلس الدولة، وإبداء الرأي وإعطاء المشورة في القضايا التي يعرضها عليها مجلس الدولة أو التي تحيلها إليها الدوائر الحكومية، وتستشار اللجنة القانونية أيضاً في العقود التي تبرمها الحكومة مع الشركات والأفراد وذلك للتأكد من انسجامها ومطابقتها للقوانين والمراسيم المطبقة في البلاد، وأخيراً تستشار اللجنة في النواحي القانونية المتعلقة بكل التزام أو امتياز يختص باستغلال الثروة الطبيعية في البلاد أو أية مصلحة عامة.

هكذا بدأت اختصاصات الهيئة فهي تقوم على اختصاصات أساسية ثلاث تتمثل في مهام الرأي القانوني وإعداد وصياغة التشريعات، ومراجعة العقود. وكانت تبعية الهيئة في ذلك الوقت إلى مجلس الوزراء مباشرة.

المحطة الثانية: المرسوم بقانون رقم (11) لسنة 1972 بإنشاء وتنظيم دائرة الشئون القانونية:

بموجب هذا القانون تم تعديل مسمى اللجنة القانونية لـ(دائرة الشئون القانونية) وهو المسمى الثاني للهيئة على مدار تاريخها، فضلاً عن زيادة الاختصاصات ثقة وإدراكاً من المشرع بأهميتها حيث أنيط بها ذات الاختصاصات الثلاث الرئيسية وكذلك إعداد صيغ المعاهدات والاتفاقات الدولية التي تبرمها الدولة أو تنضم إليها ومراجعة أحكامها للتأكد من عدم مخالفتها للقوانين والمراسيم والأنظمة المعمول بها، وتجميع القوانين والمعاهدات والاتفاقات الدولية الصادرة في الدولة أو النافذة المفعول فيها، وترجمة القوانين والمراسيم والعقود والمعاهدات والوثائق، و القيام بتمثيل الحكومة ووزاراتها أو إداراتها فيما يرفع منها أو عليها من قضايا لدى المحاكم على اختلاف درجاتها.

وتأكيداً للطبيعة القضائية للهيئة وأعضائها (الدائرة آنذاك) اشترط القانون فيمن يعين مستشاراً في الدائرة الشروط الواجب توافرها لتعيين القضاة.

المحطة الثالثة: دستور دولة البحرين لعام 1973

إدراكاً من المشرع الدستوري بأهمية المهام والاختصاصات المنوطة بالهيئة وطبيعتها القضائية رغم حداثة تأسيسها في ذلك الوقت، فقد حرص على أن يخصها بأحكام خاصة في الفصل الرابع الخاص بأحكام السلطة القضائية حيث جاء على ذكرها في أول مادة تحت هذا الفصل "البند (ج) من المادة (101) يقابلها البند (ج) من المادة (104) في دستور مملكة البحرين المعدل في العام 2002".

حيث نص البند الدستوري المشار إليه على أن (يضع القانون الأحكام الخاصة بالنيابة العامة، وبمهام الإفتاء القانوني وإعداد التشريعات، وتمثيل الدولة أمام القضاء وبالعاملين في هذه الشئون).

المحطة الرابعة: القانون رقم (60) لسنة 2006 بشأن إعادة تنظيم دائرة الشئون القانونية:

شكل هذا القانون البداية الأولى لاستقلال الهيئة، حيث نص في مادته الأولى على أن دائرة الشئون القانونية هيئة مستقلة، وهو ما أكدته المادة السادسة من ذات القانون التي نصت على أن تمارس الدائرة اختصاصاتها الفنية في استقلال، فلا يجوز التدخل لديها في كل ما يتعلق بمباشرة هذه الاختصاصات. ولا يخضع أعضاء الدائرة (المستشارين) في مباشرتهم لأعمالهم الفنية إلا لرؤسائهم المتدرجون فيها.

علماً بأن المشرع قد ألحق الدائرة في ذلك الوقت بعد أن نص على استقلاليتها بوزير العدل.

وبموجب هذا القانون منحت هيئة التشريع والرأي القانوني صلاحيات جديدة، تمثلت في:

  • وضع الاقتراحات بقوانين المحالة من مجلس الشورى ومجلس النواب إلى الحكومة في صيغة مشروعات قوانين.
  • تفسير نصوص القوانين الصادرة من السلطة التشريعية والمراسيم بقوانين.
  • إبداء الرأي في المسائل الدستورية والتشريعية وغيرها من المسائل القانونية التي يرى رئيس مجلس الشورى أو رئيس مجلس النواب إحالتها إليها بسبب أهميتها.
  • مراجعة عقود تأسيس الشركات التجارية وأنظمتها الأساسية التي ينص القانون على أن يكون تأسيسها بمرسوم.
  • تمثيل الدولة أو المشاركة في تمثيلها في المؤتمرات والندوات الدولية والمحلية الخاصة بمناقشة القوانين والمعاهدات والاتفاقيات الدولية، إذا كلفت بذلك.

كما أن القانون وتأكيداً للطبيعة القضائية للهيئة نص على أنه يشترط في تعيين المستشارين والمستشارين المساعدين بالدائرة الشروط الواجب توافرها لتعيين نظرائهم من القضاة وفقاً لأحكام المادة (22) من المرسوم بقانون رقم (42) لسنة 2002 بشأن السلطة القضائية، وتسري عليهم أحكام القانون رقم (4) لسنة 1975 بشأن كادر القضاة وتعديلاته، وسن التقاعد الخاص بالقضاة وكافة البدلات والعلاوات والمزايا المالية المقررة أو التي تقرر لنظرائهم من القضاة.

كما تسري على تعيين الأعضاء المذكورين في الفقرة السابقة وترقيتهم والتفتيش عليهم ومساءلتهم ما يسري على نظرائهم من القضاة، بما لا يتعارض مع أحكام هذا القانون. علماً بأن المشرع جعل من الأمر الملكي أداة لتعيين المستشارين في الهيئة وترقيتهم.

وبموجب هذا القانون تم تشكيل لجنة الفتوى والتشريع في الهيئة (وهي أعلى جهاز قانوني في الهيئة) يتشكل برئاسة رئيس الدائرة وعضوية نائب الرئيس وعدد كاف من مستشاري الدائرة، ويصدر بتشكيل هذه اللجنة قرار من رئيس الدائرة، وتختص اللجنة بإبداء الرأي القانوني في المسائل التي تحال إليها بسبب أهميتها من مجلس الوزراء أو من رئيس مجلس الشورى أو من رئيس مجلس النواب أو من أحد الوزراء أو من رئيس الدائرة، والمسائل التي ترى فيها إحدى إدارات دائرة الشئون القانونية رأياً يخالف فتوى صدرت من إدارة أخرى أو من لجنة الفتوى والتشريع، فضلاً عن مراجعة مشروعات القوانين والمراسيم بقوانين والمراسيم واللوائح التي أعدتها إدارة التشريع والجريدة الرسمية.

المحطة الخامسة: المرسوم بقانون رقم (34) لسنة 2010 بتعديل بعض أحكام القانون رقم (60) لسنة 2006 بشأن إعادة تنظيم دائرة الشئون القانونية:

الاستقلال التام عن السلطة التنفيذية وأجهزتها لهيئة التشريع والرأي القانوني تم بموجب هذا القانون، حيث نص في مادته الأولى على أن هيئة التشريع والإفتاء القانوني هيئة مستقلة تتمتع بالشخصية الاعتبارية ويمثلها رئيسها أمام القضاء وفي التعامل مع الغير، ويشار إليها فيما بعد بكلمة "الهيئة". وتكون للهيئة ميزانية مستقلة تدرج رقماً واحداً في الميزانية العامة للدولة، ويتولى المجلس الأعلى للهيئة وضع اللوائح والقرارات والأنظمة المتعلقة بها. ومن الواضح أن هذا القانون جاء بالمسمى الثالث للهيئة.

كما تم بموجب هذا القانون إنشاء جهاز لقضايا الدولة والنص على تبعيته لوزير العدل، فيما تم إلغاء اختصاص هيئة التشريع والرأي القانوني بتمثيل الحكومة والترافع عنها أمام المحاكم، وذلك كنتيجة حتمية لاستقلاليتها التامة، وتأكيداً لحيادتها ووقوفها على نقطة وسط أمام السلطتين التنفيذية والتشريعية خصوصاً وأنها أصبحت تختص كما سنرى بالفصل بينهما برأي قانوني ملزم في حال تحققت بعض الشروط والأوضاع التي حددها القانون.

وكغيرها من القوانين التي تعاقبت على تنظيم العمل في الهيئة زاد المشرع من الصلاحيات المنوطة بها مما يعكس إيمانه بالدور الهام الذي تقوم به هيئة التشريع والرأي القانوني كمستشار أمين لمؤسسات الدولة، حيث أنيط بالهيئة ما يلي:

  • في حالة الخلاف حول تفسير نص في الدستور أو القوانين أو المراسيم بقوانين بين الحكومة ممثلة في مجلس الوزراء ومجلسي الشورى والنواب أو أحدهما، أو بين المجلسين يكون التفسير الصادر من الهيئة ملزماً للأطراف إذا كان قد صدر بناءً على طلبهم.
  • إبداء الرأي في العقود التي تبرمها الوزارات و المؤسسات و الهيئات العامة والجهات الخاضعة لقانون تنظيم المناقصات والمزايدات والمشتريات والمبيعات الحكومية، وذلك فيما تثيره من مسائل قانونية.

ولا يجوز لأي من الوزارات والمؤسسات و الهيئات العامة و الجهات المشار إليها بالفقرة السابقة أن تبرم عقداً تزيد قيمته على ثلاثمائة ألف دينار بغير مراجعته بالهيئة.

المحطة السادسة: المرسوم بقانون رقم (43) لسنة 2012 بتعديل بعض أحكام القانون رقم (60) لسنة 2006 بشأن إعادة تنظيم هيئة التشريع والإفتاء القانوني:

منح هذا القانون الهيئة اختصاص وضع الاقتراحات بتعديل الدستور المحالة من مجلس الشورى ومجلس النواب إلى الحكومة في صيغة مشروع تعديل للدستور.

المحطة السابعة: المرسوم بقانون رقم (27) لسنة 2013 بتعديل بعض أحكام القانون رقم (60) لسنة 2006 بشأن إعادة تنظيم هيئة التشريع والإفتاء القانوني

نص هذا القانون صراحة على طبيعة هيئة التشريع والرأي القانوني القضائية، وذلك انفاذاً للتوجيه الدستوري الوارد في البند (ج) من المادة (104) في دستور مملكة البحرين.

كما تم وفقاً لهذا القانون استحداث فئة المستشارين الأول بجانب فئة المستشارين والمستشارين المساعدين الموجودة في السابق.

وانطلاقاً من طبيعة عمل الهيئة القضائية والمستشارين العاملين فيها فقد وجه المشرع في هذا القانون بإعداد تنظيم كافة الشئون الوظيفية للمستشارين، وذلك بما يتفق وطبيعة العمل بالهيئة.

المحطة الثامنة: المرسوم بقانون رقم (60) لسنة 2018 بتعديل بعض أحكام القانون رقم (60) لسنة 2006 بشأن إعادة تنظيم هيئة التشريع والإفتاء القانوني:

إيماناً بدور المشرع البحريني بالأدوار المناطة بالهيئة باعتبارها هيئة مستقلة ذات طبيعة قضائية، تتولى مهام إبداء الرأي القانوني وإعداد وصياغة التشريعات، صدر آخر تعديل لقانون الهيئة تم بموجبه الآتي:

  • تعديل مسمى "هيئة التشريع والإفتاء القانوني" و "لجنة الفتوى والتشريع"، من خلال استبدال كلمة "الرأي" بكلمتي "الإفتاء" و "الفتوى"، وكلمة "للرأي" بكلمة "للفتوى"، وكلمة "مجلس" بكلمة "لجنة"، وكلمة "المجلس" بكلمة "اللجنة"، وعبارة "هذا المجلس" بعبارة "هذه اللجنة"، أينما وردت في القانون.
  • تعديل المادتين الثانية والعاشرة بإضافة اختصاص الفصل بين الجهات الرسمية في مملكة البحرين.
  • تعديل المادة الثانية البند (3) فيما يتعلق بالاختصاص بالتفسير القانوني، من خلال قصر طلب التفسير على سمو رئيس مجلس الوزراء، أو رئيس مجلس الشورى، أو رئيس مجلس النواب.
  • تعديل المادة الثانية البند (5) فيما يتعلق بالاختصاص بإبداء الرأي القانوني، من خلال حذف كلمة "الدستورية" من عبارة "إبداء الرأي في المسائل الدستورية والتشريعية وغيرها من المسائل القانونية التي يرى رئيس مجلس النواب أو رئيس مجلس الشورى إحالتها إليها بسبب أهميتها."
  • تعديل المادة الثانية البند (7) فيما يتعلق بالاختصاص بإبداء الرأي القانوني، من خلال اشتراط حصول الوزارات والمؤسسات والهيئات العامة على موافقة مجلس الوزراء ابتداءً قبل طلب إبداء الرأي القانوني من الهيئة.

ويعتبر صدور المرسوم بقانون تطوراً نوعياً في اختصاصات الهيئة وسداً للفراغ التشريعي المتعلق بعدم وجود جهة تتولى الفصل في اختلاف وجهات النظر الحاصلة بين الوزارات أو بين المؤسسات أو بين الهيئات العامة سواءً فيما بينها أو مع غيرها من الجهات المنظمة بقانون وغيرها من الكيانات القائمة، لما لتلك الاختلافات وبقائها عالقة دون فصل من تأثير سلبي على الاقتصاد الوطني وحسن أداء المرافق العامة للدور المنوط بها بانتظام واطراد. حيث اتجهت إرادة المشرع لمنح الهيئة هذا الاختصاص الهام بالفصل في الاختلاف في وجهات النظر بين الجهات المتنازعة بموجب رأي قانوني مسبب وملزم متى صدر بناءً على طلب هذه الجهات، وبعد موافقة مجلس الوزراء، وذلك تماشياً مع الاختصاص المنعقد للهيئة للفصل في الخلاف حول تفسير النصوص التشريعية.

كما ترى الهيئة أن التعديلات المشار إليها تعزز من مكانة الاختصاص بإبداء الرأي القانوني، بحيث يكون في المسائل ذات الأهمية التي تحال إلى الهيئة من مجلس الوزراء الموقر أو من مجلس الشورى أو من مجلس النواب، أو من الجهات الحكومية بعد الحصول على موافقة مجلس الوزراء الموقر وذلك في المسائل التي تتعلق بالقوانين المعمول بها في مملكة البحرين.

خاتمة

تاريخ الهيئة القضائي عريق وراسخ في مملكة البحرين وله دلائل ومعاني عدة تؤكد حقيقة إيمان المشرع البحريني بدورها كمستشار أمين لمؤسسات الدولة وسلطاتها التنفيذية والتشريعية على حد سواء.

وقد عكس تطور الهيئة وخصوصاً فيما يتعلق بالاختصاصات التي أنيطت بها تباعاً حيوية المجتمع البحريني الذي شهد مراحل متعددة من الازدهار والنمو، لاسيما تلك التي جاءت في عهد المشروع الاصلاحي لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى حفظه الله ورعاه.

وما زالت الهيئة تعمل وبصمت لتحرص على أن تكون أعمال مؤسسات الدولة القانونية تدور في فلك المشروعية رفعة لدولة المؤسسات والقانون التي تألقت في عهد جلالة الملك المفدى.

هيئة التشريع والرأي القانوني