باسم صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة

ملك مملكة البحرين

المحكمة الدستورية

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأربعاء 25 مارس 2020م، الموافق غُرَة شعبان 1441هـ،

برئاسة معالي الشيخ خليفة بن راشد بن عبدالله آل خليفة، رئيس المحكمة.

وعضوية السادة القضاة: علي عبدالله الدويشان، وسعيد حسن الحايكي،

وعيسى بن مبارك الكعبي، والدكتورة منى جاسم الكواري، وأحمد حمد عبدالله الدوسري، أعضاء المحكمة الدستورية.

وبحضور السيد/ عمر عبدالعزيز حساني، أمين السر.

أصدرت الحكم الآتي:

في القضية المقيَّدة في سجل المحكمة الدستورية برقم (ح/1/2019) لسنة (17) قضائية.

والمعلن عنها صاحب السمو الملكي الأمير رئيس مجلس الوزراء (بصفته) ويمثله جهاز قضايا الدولة، بعد أن أحالت محكمة الاستئناف العليا المدنية الثالثة بحكمها الصادر بجلسة 28/3/2019م، الاستئناف رقم 3/04735/2018/03

المرفوع من:

صفية صالح حسين آل شهاب

وكيلها المحامي فريد غازي جاسم رفيع

ضد:

الهيئة العامة للتأمين الاجتماعي.

ويمثلها جهاز قضايا الدولة

الإجراءات:

بتاريخ الثاني والعشرين من شهر أبريل لعام 2019م، قيدت بالأمانة العامة للمحكمة الدستورية الإحالة الماثلة برقم (ح/1/2019) بعد أن حكمت محكمة الاستئناف العليا المدنية الثالثة بتاريخ 28/3/2019م، في الدعوى رقم 3/04735/2018/03 بوقفها وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية للفصل في دستورية عبارة (بشرط عدم تجاوز مجموعهما متوسط الأجر الذي حُسِبَ على أساسه المعاش، فإذا زاد المجموع عن ذلك خصمت الزيادة من المعاش طوال مدة حصوله عليها). الواردة بالفقرة الأولى من المادة (136) من قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالمرسوم بقانون رقم 24 لسنة 1976، والمعدل بالمرسوم بقانون رقم 15 لسنة 1987، والقانون رقم 30 لسنة 2010.

قَدَّم وكيل المدعية في الدعوى الموضوعية مذكرة طلب فيها الحكم بعدم دستورية العبارة سالفة البيان.

وقَدَّم جهاز قضايا الدولة مذكرة طلب فيها الحكم أصليًا بعدم قبول الدعوى، واحتياطيًا برفضها.

ونظرت الإحالة على النحو المبين بمحاضر الجلسات، وقررت المحكمة النطق بالحكم بجلسة اليوم.

المحكمة:

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.

حيث إن الوقائع - على ما يبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق - تتلخص في أن المدعية في الدعوى الموضوعية أقامت الدعوى رقم 7/06596/2018/02 أمام المحكمة الكبرى المدنية ضد المدعى عليها الهيئة العامة للتأمين الاجتماعي، بطلب الحكم: 1- الالتزام بتطبيق القانون الذي تخضع له المدعية خلال الفترة محل النزاع (1/1/2010م حتى 31/3/2016م) أي القانون رقم 13 لسنة 1975، بشأن تنظيم معاشات ومكافآت التقاعد لموظفي الحكومة فقط، وذلك بعد تحويل تلك الفترة للقطاع العام من القطاع الخاص حسب القوانين والإجراءات المنظمة.

2- الحكم بإعادة صرف جميع المبالغ التي خفض بها المعاش طوال الفترة من 1/1/2010م، لغاية 31/3/2016م، والتي بلغت في مجموعها 650/48375 دينار (ثمانية وأربعون ألفًا وثلاثمائة وخمسة وسبعون دينارًا وستمائة وخمسون فلسًا فقط) وإلزام المدعى عليها بسدادها وبالفائدة القانونية بواقع 10% من تاريخ رفع الدعوى حتى السداد التام.

3- إلزام المدعى عليها بكافة الرسوم والمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة.

وقالت المدعية - شرحًا لدعواها - بأنها عملت لدى شركة (بتلكو) طوال 23 سنة وانتهت خدمتها لدى الشركة بتاريخ 31/12/2008م، وتم صرف معاش تقاعدي لها بمبلغ وقدره 500/946 دينار، احتسب على أساس متوسط راتبها وقدره 500/2200 دينار، وبتاريخ 1/1/2010م، التحقت المدعية للعمل بالمجلس النوعي (قطاع التجزئة) التابع للمجلس الأعلى للتدريب براتب شهري وقدره -/1518 دينارًا، وعند استكمال إجراءات تسجيلها لدى المدعى عليها (الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية) من قبل جهة عملها قامت المدعى عليها بتخفيض معاشها التقاعدي من 730/967 دينارًا إلى 900/697 دينارًا، وذلك لكي لا يتجاوز مجموع الراتب في المجلس النوعي والمعاش التقاعدي متوسط الراتب الذي احتسب عليه معاشها التقاعدي طبقا لنص المادة (136) من قانون التأمين الاجتماعي حسب سجلات المدعى عليها، وقد استمر تخفيض معاشها التقاعدي كلما زاد راتب المدعية لدى عملها الجديد، وفي عام 2015م، تم وقفه بالكامل.

وبعد صدور المرسوم بقانون رقم 33 لسنة 2015، بنقل اختصاصات ومهام المجلس الأعلى للتدريب المهني إلى صندوق العمل (تمكين) الذي انتقلت إليه المدعية في 1/4/2016م، قامت المدعى عليها بإعادة صرف المعاش التقاعدي للمدعية عن فترة عملها السابقة لدى (بتلكو)، وبلغ معاشها الشهري مبلغًا وقدره 200/1222 دينارًا، وتم صرف مكافأة نهاية الخدمة للمدعية عن الفترة من 1/1/2010م إلى 31/3/2016م، وقدرها 120/4578 دينارًا. وفي شهر نوفمبر 2016م، بدأت المدعى عليها بصرف المعاش التقاعدي للمدعية عن فترتي العمل في كل من (بتلكو) والمجلس النوعي للتدريب بعد ضمهما معًا، وطبقا للمادة الأولى من القانون رقم 26 لسنة 2011، بشأن نقل احتياطيات موظفي الحكومة وضباط وأفراد قوة دفاع البحرين والأمن العام والمؤمن عليهم عن مُدَد خدمتهم أو اشتراكهم في التأمين بين صناديق التقاعد والتأمين الخاضعين لها، تقدمت المدعية إلى المدعى عليها بطلب ضم مدة خدمتها بالمجلس النوعي للتدريب الخاضع لقانون التأمين الاجتماعي (القطاع الخاص) إلى قانون التأمين الاجتماعي (القطاع العام)، وتمت الموافقة على طلبها بشرط أن تقوم بإرجاع مكافأة نهاية الخدمة والمعاشات التقاعدية المستلمة عن تلك الفترة ومجموعهما 8295 دينارًا، وبالفعل قامت المدعية بسداد المبالغ المطلوبة، وبموجب ذلك قامت المدعى عليها بنقل احتياطيات المدعية عن الفترة من 1/1/2010م، حتى 31/3/2016م، وبذلك تكون المدعية خلالها غير خاضعة للتأمين الاجتماعي (القطاع الخاص) بل أصبحت خاضعة للقانون رقم 13 لسنة 1975، بشأن تنظيم معاشات التقاعد لموظفي الحكومة مما تكون معه جميع الإجراءات التي تمت بشأن تطبيق المادة (136) سالفة البيان بتخفيض معاشها في غير محلها وباطلة.

وأضافت المدعية أنها تقدمت للمدعى عليها بطلب استرجاع المبالغ المخصومة من معاشها التقاعدي - آنفة البيان - فرفضت طلبها، ولذا أقامت دعواها، والمحكمة الكبرى المدنية قضت بجلسة 3/10/2018م، برفض الدعوى، فأقامت المستأنِفة - الاستئناف المار ذكره.

وحيث إنه عن دفع جهاز قضايا الدولة بعدم قبول الدعوى لاستفادة المدعية من مزايا النص المحال وانتفاء المصلحة الشخصية المباشرة للمدعية فيها، بمقولة إن المدعية جمعت بين ما يستحق لها من معاش وبين الأجر الذي حصلت عليه من عملها في المجلس النوعي، وأن تلك ميزة قررتها المادة (136) المطعون عليها بعدم الدستورية سبق أن استفادت منها المدعية فتضحى الدعوى الماثلة غير مقبولة، فإنه دفع مردود، ذلك أن قضاء هذه المحكمة جرى بأن المصلحة الشخصية والمباشرة شرط لقبول الدعوى الدستورية، لا فرق في ذلك بين اتصالها بالمحكمة الدستورية عن طريق الدفع الفرعي من أحد الخصوم أو عن طريق الإحالة من محكمة الموضوع، ومناطها في خصوص الدعوى الدستورية قيام ثمة ارتباط بين المصلحة في الحكم بعدم الدستورية وبين المصلحة القائمة في الطلبات في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يؤثر الحكم في المسألة الدستورية في الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع، وترتبط المصلحة الشخصية بالخصم الذي يستفيد من إثارة المسألة الدستورية وليس بهذه المسألة في ذاتها منظورًا إليها بصفة مجردة، وقد أكدت هذا الارتباط عند الإحالة من محكمة الموضوع الفقرة (ب) من المادة (18) من قانون المحكمة الدستورية، إذ نصت بأنه: "اذا تراءى لإحدى المحاكم أثناء نظر إحدى الدعاوى عدم دستورية نص في قانون أو لائحة لازم للفصل في النزاع، أوقفت المحكمة الدعوى، وأحالت الأوراق بغير رسوم إلى المحكمة الدستورية للفصل في المسألة الدستورية”. وإذا كان قضاء المحكمة الدستورية قد جرى على انتفاء شرط المصلحة عند استفادة الطاعن من مزايا النص الطعين، فإنها بذلك لا تضع حكمًا يتضمن مبدأً عامًا يقوم على قاعدة مطلقة فحواها إذا استفاد شخص من نص فليس له الطعن عليه، وإنما ينبغي أن تكون استفادة الطاعن تامة لا أثر فيها لضرر حتى إن كان محدودًا.

وحيث إنه لما كان ما تقدم، وكانت طلبات المدعية في الدعوى الموضوعية هي طلب استرداد المبالغ التي قامت المدعى عليها بخصمها من معاشها التقاعدي طوال الفترة من 1/1/2010م، حتى 31/3/2016م، إنفاذًا للعبارة - المطعون عليها - الواردة بالفقرة الأولى من المادة (136) من قانون التأمين الاجتماعي، وكانت المدعى عليها قد تمسكت أمام محكمة الموضوع بدرجتيها بأن الخصم من المعاش كان تطبيقًا لهذا النص ورأت محكمة الاستئناف العليا المدنية بعد تكييفها للمنازعة المنظورة أمامها، لزوم تطبيقه للفصل في النزاع، وأن ثمة شبهة بعدم الدستورية تلحق به، كما ترى هذه المحكمة أن الحكم في المسألة الدستورية يؤثر في النزاع الموضوعي، ومن ثم تكون للمدعية مصلحة شخصية ومباشرة في الطعن، فإذا ما قضي بعدم دستورية العبارة المطعون عليها التزمت المدعى عليها الأولى برد المبالغ التي خصمتها من معاشها طبقًا لها، ويضحى الدفع بعدم قبول الدعوى قائمًا على غير أساس يتعين رفضه.

وحيث إن الفقرة الأولى من المادة (136) المعدلة تنص على أنه: “مع مراعاة أحكام المواد (39، 40،41، 42) من هذا القانون إذا عاد صاحب معاش شيخوخة أو عجز غير مهني طبقاً لأحكام هذا القانون إلى ممارسة عمل مأجور خاضع لهذا القانون ويُدرُّ عليه أجرًا فإنه يجمع بين ما يستحق له من معاش وأجره الفعلي من ذلك العمل، بشرط عدم تجاوز مجموعهما متوسط الأجر الذي حسب على أساسه المعاش، فإذا زاد المجموع عن ذلك خصمت الزيادة من المعاش طوال مدة حصوله عليها".

وحيث إن المحكمة تشير إلى أن العبارة المقضي بعدم دستوريتها الواردة بالمادة (136) من قانون التأمين الاجتماعي في الدعوى الدستورية رقم (د/6/2008) بجلسة 30 نوفمبر2011م، ونصها: "إذا بلغت مدة التحاق صاحب معاش بالعمل المأجور المشار إليه سنة أو أكثر وانتهت خدمته..... يسوى المعاش في الحالتين عن كامل المدة الأخيرة على أساس المادة (39) المشار إليها، ويضاف للمعاش السابق مع مراعاة عدم تجاوز مجموع المعاشين أو المعاشات حسب الحالة متوسط الأجر الذي حسب على أساسه المعاش الأول". تختلف عن النص المطعون عليه بموجب هذه الإحالة، فالأول يقضي بعدم تجاوز مجموع المعاشين أو المعاشات متوسط الأجر السابق، أما نص العبارة - في الطعن الماثل - المطروحة على هذه المحكمة فيتضمن عدم تجاوز مجموع المعاش عن العمل السابق والأجر عن العمل الحالي، الأجر الذي حسب على أساسه هذا المعاش فإذا زاد خصمت الزيادة من المعاش. ومن ثم فإن ما أوردته المحكمة في أسباب حكمها - المار ذكره - لم يكن مطروحا عليها النص المطعون عليه في الدعوى الماثلة فلا حجيه لها في هذه الدعوى.

وحيث إن حكم الإحالة ينعى على عبارة النص المحالة للفصل في مدى دستوريتها إخلالها بمبدأ المساواة لتبنيها تمييزًا تحكميًا منهيًا عنه بنص المادتين (4)، (18) من الدستور، ولانتقاصها من جوهر الحق في خدمات التأمين الاجتماعي وعدالة شروط العمل الذي كفله الدستور بمقتضى المادتين (5 فقرة ج)، (13 فقرة ب) وبالمخالفة للمادة (31) منه فضلاً عن إهدارها لحق الملكية الخاصة التي أظلها الدستور بحمايته في المادة (9 فقرة ج) لضمان صونها من أي عدوان عليها والتي تمتد لتشمل جميع أنواع الأموال باعتبار أن المال هو الحق ذو القيمة المالية، وذلك بمقولة إن العبارة سالفة الذكر قد ميزت بين العاملين المشتركين في التأمين الاجتماعي بصورة تحكمية رغم تماثل مراكزهم القانونية تمييزًا لا يستند على أسس موضوعية، إذ اختصت فئة منهم وهي التي تقاعدت ولم تلتحق بعمل جديد بصرف معاشها التقاعدي كاملًا دون خصم، وفئة أخرى وهي التي تقاعدت عن العمل الأول والتحقت بعمل جديد فقد طبق عليها قاعدة عدم تجاوز مجموع المعاش التقاعدي والأجر عن العمل الجديد متوسط الأجر الذي حُسِبَ على أساسه المعاش التقاعدي، وبأنه إذا زاد المجموع عن ذلك خصمت الزيادة من المعاش طوال مدة حصولهم عليها، ورأت محكمة الموضوع شبهة مخالفة النص الطعين للمادتين (4) و (18) من الدستور فإن ذلك مردود، إذ تنص المادة (4) من الدستور على أن: “العدل أساس الحكم، والتعاون والتراحم صلة وثقى بين المواطنين، والحرية والمساواة والأمن والطمأنينة والعلم والتضامن الاجتماعي وتكافؤ الفرص بين المواطنين دعامات للمجتمع تكفلها الدولة”. كما جرى نص المادة (18) منه على أن: “الناس سواسية في الكرامة الإنسانية، ويتساوى المواطنون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة”.

ومن المستقر عليه في قضاء هذه المحكمة أن مبدأ المساواة بين المواطنين المنصوص عليه في هاتين المادتين، والذي تردده الدساتير المعاصرة بحسبانه ركيزة أساسية للحقوق والحريات على اختلافها، وأساسًا للعدل والسلام الاجتماعي، غايته صون الحقوق والحريات في مواجهة صور التمييز التي تنال منها أو تقيد ممارستها، إلا أن المساواة في الحقوق بين المواطنين أمام القانون لا يعني أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تباين في مراكزها القانونية، معاملة قانونية متكافئة، كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التميز جميعها ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية، فمبدأ المساواة أمام القانون ليس مبدأً تلقينيًا جامدًا منافيًا للضرورة العملية، ولا هو بقاعدة صماء تنبذ صور التمييز جميعها، ولا كافلًا لتلك الدقة الحسابية التي تقتضيها موازين العدل المطلق بين الأشياء،

ومن الجائز بالتالي أن تغير السلطة التشريعية - وفقًا لمقاييس منطقية - بين مراكز لا تتحد معطياتها، أو تتباين فيما بينها في الأسس التي تقوم عليها، ذلك أن ما يصون مبدأ المساواة ولا ينقض محتواه، هو ذلك التنظيم الذي يقيم تقسيمًا تشريعيًا ترتبط فيه النصوص القانونية التي يضمها بالأغراض المشروعة التي يتوخاها.

وحيث إن النص المطعون عليه لا يتضمن ثمة تمييزًا بصورة تحكمية إذ إن المركز القانوني للموظف المتقاعد ولم يلتحق بعمل بعد تقاعده يختلف عن الموظف الذي التحق بعمل جديد، فالأول لم يعد مؤمنًا عليه وإنما صاحب معاش فقط طبقا لقانون التأمينات الاجتماعية، أما الثاني فهو مازال مؤمنًا عليه طبقًا لذات القانون وتضم مدة خدمته الثانية للمدة الأولى ويتقاضى معاشًا شهريًا عند تقاعده يزيد على المعاش الأول، وبالتالي فإن عدم الجمع بين الراتب والمعاش إلا في حدود معينة لا يتضمن في حقيقته حرمانًا للموظف من المعاش عن وظيفته السابقة، وإنما إرجاء لواقعه وتاريخ استحقاقه للمعاش لحين انتهاء خدمته في الوظيفة الجديدة المُعيّن عليها ودون إهدار لمدة خدمته السابقة أو الجديدة أو إهدار لحقه في المعاش أو المرتب المقرر عن هذه المدة.

وحيث إنه على عكس ما انتهى إليه حكم الإحالة من محكمة الموضوع فإن عدم المساواة والتمييز التحكمي غير المبرر هو الجمع بين المعاش عن عمل سابق وأجر العمل الجديد، بلا ضوابط أو حدود إذ إن ذلك يؤدي إلى نتيجة غير منطقية وغير مقبولة وهي أن الموظف الذي استمر في عمله سنوات طويلة ولم يتقاعد خلالها يتسلم مرتبه فقط، أما زميله الذي كان يعمل معه ثم تقاعد لعدة شهور حتى تمت تسوية معاشه التقاعدي ثم عاد إلى ممارسة العمل، وربما ذات العمل بذات الراتب السابق مع نفس زميله الذي لم يتقاعد يجمع بين المعاش والمرتب عن العمل الذي عاد إليه وهو ما يؤدي إلى إنفاق أموال صناديق المعاشات والتأمينات من دون وجه حق، وهي أموال خاصة بجميع المشتركين فيها من الموظفين والمستحقين عنهم، ويتعين على المُشرّع حمايتها والحفاظ على التوازن المالي الذي يسمح للهيئة العامة للتأمين الاجتماعي بالاضطلاع بدورها.

وبالبناء على ما تقدم فإن قالة مخالفة النص المطعون عليه لمبدأ المساواة، لا أساس لها، إذ إن ذلك من سلطة المُشرّع التقديرية طبقا لما نصت عليه المادة (119) من الدستور والذي استهدف منها تحقيق الصالح العام، ولأسباب موضوعية مبررة.

وحيث إنه من المقرر طبقًا لنص المادة (31) من الدستور أنه لا يجوز للقانون عند تنظيمه للحقوق والحريات أو تحديدها أن ينال من جوهرها، وأن الأصل في سلطة المُشرّع في موضوع تنظيم الحقوق، أنها سلطة تقديرية، ما لم يقيدها الدستور بضوابط محددة تعتبر تخومًا لها لا يجوز اقتحامها أو تخطيها، بما مؤداه أن تباشر السلطة التشريعية اختصاصاتها التقديرية - فيما عدا القيود التي يفرضها الدستور عليها - بعيدًا عن الرقابة القضائية التي تمارسها المحكمة الدستورية، فلا يجوز لها أن تزن بمعاييرها الذاتية، السياسة التي انتهجها المُشرّع في موضوع مُعيّن، ولا أن تناقشها، أو تخوض في ملاءمة تطبيقها عملًا، ولا أن تنتحل للنص المطعون فيه أهدافًا غير التي رمى المُشرّع إلى بلوغها، ولا أن تقيم خياراتها محل عمل المُشرّع، طالما تحقق لدى هذه المحكمة، أن السلطة التشريعية قد باشرت اختصاصاتها تلك، مستلهمة في ذلك أغراضا يقتضيها الصالح العام في شأن الموضوع محل التنظيم التشريعي، وأن تكون وسائلها إلى تحقيق الأغراض التي حددتها، مرتبطة عقلًا بها.

وحيث إن ما نعاه حكم الإحالة من أن النص المُحال يخالف حكم المادة(5/ج)، فإنه مردود، فقد استقر قضاء هذه المحكمة على أن الدستور المُعدّل قد حرص وفقًا لحكم المادة (5/ج) على دعم وتعزيز دور التأمين الاجتماعي، حيث ناط بالدولة كفالة تحقيق الضمان الاجتماعي اللازم للمواطنين بجميع فئاتهم في حالة الشيخوخة أو المرض أو العجز عن العمل أو اليُتم أو الترمل أو البطالة، كما كفل تقديم خدمات التأمين الاجتماعي، والرعاية الصحية، ذلك أن مظلة التأمين الاجتماعي هي التي تكفل بمداها واقعًا أفضل يؤمن المواطن في غَدِهِ، وينهض بموجبات التضامن الاجتماعي التي يقوم عليها المجتمع وفقًا لما أكده نص المادة (4) من الدستور المُعدّل، بما يؤكد أن الرعاية التأمينية ضرورة اجتماعية بقدر ما هي ضرورة اقتصادية، وأن غايتها أن تؤمن المشمولين بها في مستقبل أيامهم عند تقاعدهم أو عجزهم أو مرضهم بما يستصحب ذلك من تهيئة الظروف الأفضل التي تفي باحتياجات من تقررت لمصلحتهم الرعاية التأمينية وتكفل المقومات الأساسية التي يتحرر من خلالها أفراد المجتمع من العوز وينهضون من خلالها بمسؤولية حماية أسرهم والارتقاء بمعيشتهم، ومع ذلك فإن النظام القانوني للتأمينات الاجتماعية لا يقوم على اعتبارات حسابية كتلك التي تحكم نظام التأمين الخاص، ولكنه يقوم على اعتبار اجتماعي، مؤداه فكرة التضامن بين من تجمعهم ظروف متشابهة، فإن المتحمل لعبء التأمين لا يكون بالضرورة المستفيد منه، والتأمينات الاجتماعية تقوم على أساس أداء مقابل التأمين (الاشتراك) بصرف النظر عما إذا كان المؤمن عليه سيستفيد من التأمين بصفة شخصية أم لا.

وحيث إنه من المقرر أن مضمون القاعدة القانونية التي تسمو في الدولة القانونية عليها، وتتقيد هي بها، إنما يتحدد من منظور المفاهيم الديمقراطية التي يقوم نظام الحكم عليها على ما تقضي به مقدمة الدستور المعدل، والمادة (1) فقرة (د) منه على ضوء مستوياتها التي التزمتها الدول المتحضرة والديمقراطية في مجتمعاتها، واستقر العمل باطراد على انتهاجها في مظاهر سلوكها، لضمان ألا تنزل الدولة القانونية بالحماية التي توفرها لحقوق مواطنيها وحرياتهم، عن الحدود الدنيا لمتطلباتها المقبولة بوجه عام عن تلك الدول، ويندرج تحتها الضمان الاجتماعي والحق في العمل وحق الملكية، وإذ إن التشريعات المقارنة للتأمين الاجتماعي في كثير من الدول قد تضمنت نصًا مماثلًا للنص المطعون عليه، كما أقرته توصية منظمة العمل الدولية في مؤتمرها بفيلادلفيا سنة 1944م، فأجازت تعليق استحقاق معاش الشيخوخة على شرط عدم القيام بأي عمل يُدِرُ دخلًا للمؤمن عليه، كما انتهى المجلس الدستوري الفرنسي في قراره رقم 85 - 200 د.ج الصادر في 16 يناير 1986م، إلى أن النصوص المتعلقة بالحد من إمكانيات الجمع بين المعاش التقاعدي بعد بلوغ المؤمن عليه من العمر 60 سنة والدخل من النشاط تتوافق مع الدستور.

وحيث إنه وفقًا للنص المطعون عليه، الأصل أن الموظف عند بلوغه عمر الستين عامًا، يجمع بلا حد أو قيد بين معاشه التقاعدي وأجره من عمله الجديد، وذلك إذ لم يعد خاضعًا لأحكام قانون التأمينات الاجتماعية ولا تحصل منه اشتراكاتها، أما قبل ذلك فإنه لم يستقر له الحق في المعاش، فهو مُعلّق - بنص القانون - على شرط عدم الالتحاق بعمل آخر خاضع لذات صندوق التأمينات الاجتماعية الذي يتقاضى منه الموظف معاشه التقاعدي، ومقابل ذلك فإن مدة عمله أو خدمته الجديدة تضم إلى المدة السابقة، التي كان يتقاضى عنها معاشًا، وعند تقاعده نهائيًا ببلوغه الستين من عمره يتقاضى معاشًا عن كامل المدتين معًا. أما إذا كان العمل الجديد يخضع لقانون معاشات موظفي الحكومة رقم 13 لسنة 1975، فإنه يجمع بين المعاش والأجر بدون حدود والعكس أيضًا صحيح بشأن من تنتهي خدمته في الحكومة ثم يعود للعمل في ظل قانون التأمينات الاجتماعية، ومن ثم فإن النعي بانتقاص النص المطعون عليه من جوهر الحق في خدمات التأمين الاجتماعي منتفيًا ويتعين رفضه.

وحيث إن حق العمل ليس من الرخص التي تقبضها الدولة أو تبسطها وفق إرادتها ليتحدد على ضوئها من يتمتعون بها أو يمنعون عنها، وإنما قرره الدستور في المادة (13) منه والتي تنص على أنه:

“ أ - العمل واجب على كل مواطن، تقتضيه الكرامة ويستوجبه الخير العام، ولكل مواطن الحق في العمل وفي اختيار نوعه وفقا للنظام العام والآداب.

ب - تكفل الدولة توفير فرص العمل للمواطنين وعدالة شروطه.

ج - لا يجوز فرض عمل إجباري على أحد إلا في الأحوال التي يعينها القانون لضرورة قومية وبمقابل عادل، أو تنفيذا لحكم قضائي.

د - ينظم القانون، على أسس اقتصادية مع مراعاة قواعد العدالة الاجتماعية، العلاقة بين العمال وأصحاب الأعمال”.

والنص المطعون عليه لا يتضمن مساسا بحق العمل، إذ لا يفرض ثمة قيد أو أي شرط على الموظف المتقاعد ويتقاضى أجره كاملًا عن عمله الجديد بلا نقصان وإنما استحقاق المعاش السابق ومقداره هو الذي تحدده الأسباب الموضوعية المنطقية والمبررة - سالفة البيان - والموظف تقاعد بإرادته من عمله السابق قبل بلوغه سن التقاعد المحددة في القانون.

وحيث إنه من المقرر، وفقًا لما اطّردَ عليه قضاء هذه المحكمة، أن الملكية الخاصة - التي أظلها الدستور بحمايته في المادة (9 فقرة ج) لضمان صونها من أي عدوان عليها - تمتد لتشمل جميع أنواع الأموال باعتبار أن المال هو الحق ذو القيمة المالية، سواء كان هذا الحق شخصيًا أو عينيًا أم كان من حقوق الملكية الأدبية أو الفنية أو الصناعية، إلا أن الملكية مع ذلك لم تعد حقا مطلقا، عصيا على التنظيم، وإنما يجوز تحميلها بالقيود التي تقتضيها وظيفتها الاجتماعية وهي قيود يتحدد نطاقها ومرماها في ضوء الأغراض التي ينبغي توجيهها إليها وبمراعاة القيود التي يفرضها الدستور على حق الملكية للحد من إطلاقها، لا تعتبر مقصودة لذاتها بل غايتها خير أفراد المجتمع.

ولما كانت الطبيعة القانونية للحق في المعاش أنه لا يُوَّرث، ولا يقوم على اعتبارات حسابية، والمتحمل لعبء التأمين لا يجب بالضرورة أن يكون المستفيد منه - وعلى النحو سالف البيان - ويضحى النص المطعون عليه لا يتضمن ثمة إهدارًا لحق الملكية.

وحيث إنه وبالبناء على ما تقدم، فإن النص المطعون عليه لا يخالف أحكام المواد (4)، (5/ج)، (9/ج)، (13)، (18)، (31) من الدستور أو أي نص آخر فيه ومن ثم تكون الدعوى جديرة بالرفض.

لهذه الأسباب:

حكمت المحكمة برفض الدعوى.

 

_______

_______

_______

_______

_______

_______

عضو المحكمة

عضو المحكمة

عضو المحكمة

عضو المحكمة

عضو المحكمة

رئيس المحكمة